كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



حدثنا عمروالناقد حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الحميد بن جبير عن محمد بن عباد بن جعفر سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهو يطوف بالبيت أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة؟ فقال: نعم. ورب هذا البيت.
وقال مسلم أيضًا:
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص وأبو معاوية عن الأعمش ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له أخبرنا أوبمعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصم احدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده»
وفي لفظ في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوام الجمعة بصيام من بين الأيام. إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم» هذا لفظ مسلم في صحيحه.
ولا شك أن هذا الأحاديث لوبلغت مالكًا ما خالفها. فهو معذور في كونها لم تبلغه.
وقال النووي في شرح مسلم: وأما قول مالك في الموطأ: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن به يقتدى نهى عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن.
وقد رأيت بعض اهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه.
فهذا الذي قاله هو الذي راه.
وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو.
والسنة مقدمة على ما راه هو وغيره.
وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة. فيتعين القول به.
ومالك معذور. فإنه لم يبلغه.
قال الداودي من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث ولوبلغه لم يخالفه. انتهى منه.
وهذا هو الحق الذي لا شك فيه.
لأن مالكًا من أو رع العلماء وأكثر الناس اتباعًا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يدعها وهو عالم بها.
وقوله في هذا الحديث: «إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم» أي كأن ينذر أحد صوم اليوم الذي يشفي الله فيه مرضه. فوافق ذلك يوم الجمعة.
لأن صومه له لأجل النذر. الذي لم يقصد بأصله تعيين يوم الجمعة.
وإنما النهي فيمن قصد بصومه نفس يوم الجمعة دون غيره.
والغرض عندنا إنما هو المثال لبعض الأحكام التي لم تبلغ مالكًا فيها السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوبلغته لعمل بها.
ومعلوم أن هنالك بعضًا من النصوص ترك مالك العمل به مع أنه بلغه. لأنه يعقتد أن ما ترك النص من أجله أرجح من النص.
وهذا يحتاج فيه إلى مناقشات دقيقة بين الأدلة. فقد يكون الحق في ذلك مع هذا الإمام تارة ومع غيره أخرى.
فقد ترك مالك العمل بحديث خيار المجلس مع أنه حديث متفق عليه. وقد بلغ مالكًا.
وقد حلف عبد الحميد الصائغ من المالكية بالمشي إلى مكة على أنه لا يتفي بثلاث. قالها مالك.
ومراده بالثلاث المذكورة عدم القول بخيرا المجلس هذا مع صحة الحديث فيه.
وجنسية القمح والشعير مع صحة الأحاديث الدالة على أنهما جنسان.
والتدمية البيضاء. ولا شك أن مالكًا بلغه حديث خيار المجلس هذا.
فقد روي في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار»
قال مالك: وليس لهذا عندنا حد معروف. ولا أمر معمول به فيه. انتهى منه بلفظه.
مع أن مالكًا لم يعمل بهذا الحديث الصحيح:
وأشار في الموطأ إلى بعض الأسباب التي منعته من العمل به في قوله:
وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه. لأن خيار المجلس لم يحدد بحد معروف.
فصار القول به مانعًا من انعقاد البيع إلى حد غير معروف.
وقد يكون المتعاقدان في سفينة في البحر لا يمكنهم التفرق بالأبدان.
وقد يكونان مسجونين في محل لا يمكنهما التفرق فيه.
وقد حمل مالك التفرق المذكور في الحديث على التفرق في الكلام.
وصيغة العقد قال:
وقد أطلع التفرق على التفرق في الكلام دون الأبدان في قوله تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلًا مِّن سَعَتِهِ} [النساء: 130] فالتفرق في الآية إنما هو بالتكلم بصيغة الطلاق لا بالأبدان.
وقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البينة} [البينة: 4] فالتفرق في الآية تفرق بالكلام والاعتقاد.
فلا يشترط أن يكون بالأبدان:
وحجج من احتج لمالك في عدم أخذه بحديث خيار المجلس. هذا كثيرة معروفة.
مناه ما هو في آيات من كتاب الله كقوله تعالى: {وأشهدوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]. وقوله: {أَوْفُواْ بالعقود} [المائدة: 1]. وقوله: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ ولا تقتلوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
ومنها ما هو بغير ذلك.
وليس غرضنا هنا بسط الحجج ومناقشتها. وإنما غرضنا المثال.
لأن الإمام قد يترك نصًا بلغه لاعتقاد أن ما ترك من أجله النص أرجح من نفس النص. وأنه يجب على المسلم مراعاة المخرج والنجاة لنفسه فينظر في الأدلة. ويعمل بأقواها وأقربها إلى رضى الله.
كما حلف عبد الحميد الصائغ بالمشي إلى مكة. لا يفتي بقول مالك في هذا.
مع أنه عالم مالكين. لأنه رأى الأدلة واضحة وضوحًا لا لبس فيه. في أن المراد بالتفرق التفرق بالأبدان.
وقد صرح بذلك جماعة من الصحابة منهم ابن عمر راوي الحديث. ولم يعلم لهم مخالف من الصحابة.
ولا شك أن المنصف إذا تأمل تأملًا صادقًا خاليًا من التعصب عرف أن الحق هو ثبوت خيار المجلس.
وإن المراد بالتفرق التفرق في الأبدان لا بالكلام.
لأن معنى التفرق بالكلام هو حصو ل الإيجاب من البائع والقبول من المشتري.
وكل عاقل يعلم أن الخيار حاصل لكل من البائع والمشتري ضرورة قبل حصو ل الإيجاب والقبول.
فحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم على هذا. حمل له على تحصيل حاصل. وهو كما ترى.
مع أن حمل الكلام على هذا المعنى يستلزم أن المراد بالمتبايعين في الحديث المتسأو مان. لأنه لا يصدق عليهما اسم المتبايعين حقيقة إلا بعد حصو ل الإيجاب والقبول.
وحمل المتبايعين في كلام النبي صلى الله عليه وسلم على المتساومين اللذين لم ينقعد بينهما بيع خلاف الظاهر أيضًا كما ترى.
وأما كون القمح والشعير جنسًا واحدًا. فقد استدل له مالك ببعض الآثار التي لي فيها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال في الموطأ: إنه بلغه أن سليمان بن يسار قال: فني علف حمار سعد بن أبي وقاص فقال لغلامه: خذ من حنطة أهلك فاتبع بها شعيرًا. ولا تأخذ إلا مثله. اه منه بلفظه.
وفي الموطأ أيضًا عن نافع عن سليمان بن يسار أنه أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فني علف دابته. فقال لغلامة: خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرًا ولا تأخذ إلا مثله. اه منه بلفظه.
وفي الموطأ أيضًا: أن مالكًا بلغه عن القاسم بن محمد عن ابن معيقيب الدوسي مثل ذلك. قال مالك: وهو الأمر عندنا اه. منه بلفظه.
فهذه الآثار هي عمدة مالك رحمه الله في كون القمح والشعير جنسًا واحدًا.
وعضد ذلك بتقارب منفعتهما. والتحقيق الذي لا شك فيه أن القمح والشعير جنسان. كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا تصح معارضتها ألبتة بمثل هذه الآثار المروية عمن ذكر.
وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلًا بمثل يدًا بيد فمن زاد أواستزاد فقد أربى إلا ما اختلفت أوانه» انتهى منه بلفظه.
وهوصريح بأن القمح والشعير جنسان مختلفان. كاختلافهما مع التمر والملح.
وأن التفاضل جائز ع اختلاف الجنس إن كان يدًا بيد. وروى مسلم في صحيحه والإمام أحمد عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد» اه منه بلفظه.
وللنسائي وابن ماجه وأبي داود نحوه. وفي آخِره: وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدًا بيد كيف شئنا.
قال المجد في المنتقى: لما ساق هذا الحديث ما نصه: وهو صريح في كون البر والشعير جنسين. وما قاله صحيح كما ترى.
والأحاديث بمثل هذا كثيرة. وقد قدمنا طرفًا منها في سورة البرة والمقصود هنا بيان صراحة الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن القمح والشعير جنسان لا جنس واحد. وأنها لا يجوز ترك العمل بها مع صحتها ووضوحها. ولا أن يقدم عليها اثر موقوف على سعد بن أبي وقاص ولا أثر موقوف على عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث. ولا أثر موقوف على ابن معيقيب.
واعلم أنه لا يصح الاستدلال لكون القمح والشعير جنسًا واحدًا بحديث معمر بن عبد الله الثابت في صحيح مسلم وغيره. كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الطعام بالطعام مثلًا بمثل» الحديث.
وذلك لأمرين: أحدهما أن معمر المذكور قال في آخر الحديث. وكان طعامهم يومئذ الشعير.
فقد عين أن عرفهم المقارن للخطاب يخصص الطعام المذكور بالشعير.
والمقرر في أصو ل مالك: أن العرف المقارن للخطاب من المخصصات المنفصلة التي يخصص بها العام قال في مراقي السعود في ذلك:
والعرف حيث قارن الخطابا ** ودع ضمير البعض والأسبابا

الأمر الثاني: إن الاستدلال بالحديث المذكور على فرض اعتبار عمومه. وعدم تخصيصه بالعرف المذكور. يقتضي أن الطعام كله جنس واحد فيدخل التمر والملح لصدق الطعام عليهما.
وهذا لا قائل به كما ترى.
فالظاهر أن الإمام مالكًا رحمه الله ومن وافقه من أهل العلم. لم تبلغهم هذه الأحاديث الصحيحة المصرحة. بأن القمح والشعير والتمر والملح أجناس.
وان القمح يباع بالشعير كيف شاء المتبايعان إن كان يدًا بيد.
وأما التدمية البيضاء فقول مالك فيها يظهر لنا قوته واتجاهه. وإن خالف في ذلك بعض أصحابه وأكثر أهل العلم.
وقد بين وجه قول مالك فيها ابن عبد البر وابن العربي وغيرهما.
والمسائل التي قال بعض أهل العلم إن مالكًا خالف فيها السنة المعروفة منها ما ذكرنا.
ومنها مسألة سجود الشكر وسجدات التلاوة في المفصل.
وعدم الجهر بامين. وعدم رفع اليدين عند الركوع والرفع منه. وعدم قول الإمام: ربنا ولك الحمد.
وعدم ضفر رأس المرأة الميتة ثلاث ضفائر.
وترك السجدة لاثانية في الحج وغير ذلك من المسائل.
وقد قدمنا أن بعض ما ترك مالك من النصوص قد بلغته فيه السنة ولكنه رأى غيرها أرجع منها. وأن بعضها لم يبلغه. وأن الحق قد يكون معه في بعض المسائل التي أخذت عليه.
وقد يكون مع غيره. كما قال مالك نفسه رحمه الله:
كل كلام فيه مقبو ل ومردود. إلا كلام صاحب هذا القبر.
وهوتارة يقدم دليل القرآن المطلق أو العام على السنة التي هي أخبار احاد.
لأن القرآن أقوى سندًا وإن كانت السنة أظهر دلالة. ولاجل هذا لم يبح ميتة الجراد بدون ذكاة لأنه يقدم. عموم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} [المائدة: 3] الآية. على حديث «أحلت لنا ميتتان ودمان» الحديث. وقدم عموم قوله تعالى: {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين} [الأعراف: 55] الآية. على الأحاديث الواردة بالجهر بامين لأن التأمين دعاء. والدعاء مأمور بإخفائه في الآية المذكورة.
فالآية أقوى سندًا وأحاديث الجهر بالتأمين أظهر دلالة في محل النزاع. ومن المعلوم أن أكثر أله العلم يقدمون السنة في نحوهذا.
وقد قدم مالك رحمه الله دليل القرآن فيما ذكرنا كما قدمه أيضًا في الثانية من سجدتي الحج لأن نص الآية الكريمة فيها كالتصريح في أن المراد سجود الصلاة. لأن الله يقول فيها.
{يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ} [الحج: 77].
فذكر الركوع مع السجود يدل على أن المراد سجود الصلاة.
والأمر بالصلة في القرآن لا يستلزم سجود التلاوة كقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر} [الكوثر: 2].
ولذلك لا يسجد عند قوله تعالى في آخر الحجر {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ الساجدين} [الحجر: 98].
قالوا لأن معنى قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي صل لربك متلبسًا بحمده. وكن من الساجدين في صلاتك.
ولا شك أن قوله تعالى في ثانية الحج {يا أيها الذين آمنوا اركعوا} الآية. أصرح في إرادة سجود الصلاة من قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ الساجدين}.